سان خوان
- firasalwailypoems
- 20 أبريل
- 2 دقائق قراءة

كأنك لم تصل، بل انزاح الزمن عن كتفيك، ونزلت على اليابسة كضوء خرج للتوّ من حلم مالح. سان خون لا تستقبلك، بل تنبعث فيك، تنبض بك، وتدور حولك كما يدور النخل حول النسيم. لا تسأل من أين أتيت، بل تُريك وجهها كما لو كان يخصّك منذ البدء، وجه من ماء حيّ، من ياسمين ساحليّ، من ضحكة خبّأها البحر في صدفاته كي لا تموت. سان خون ليست جزيرة، بل رعشة حياة تمشي على سواحل من حرير. الشواطئ فيها لا تُداس، بل تُلمس كجفن يوشك أن يبكي من شدّة الفرح، والرمل لا يُذرّى، بل يُرتّل كصلاة نسيت اسمها وبقي إيقاعها. كل نخلة تنحني لا تواضعًا، بل دلالًا، وكل غصن يرقص لا من ريح، بل من غنج فطريّ يشبه الحلم حين يتدلّى من نافذة مفتوحة على الأبد. في سان خون، لا تمشي، بل تُحمَل كما يحمل الموج ظل الطيور، ويصعد بك الدرب كما يصعد النسيم على ظهر الشغف. الأزقة ليست حجرًا، بل ذاكرة تُروى بالعطر، والمباني لا تُسكن، بل تُقرأ، تُنادى، وتُشهق، تنحني جدرانها لتُمسّد على كتفك كأم قديمة تعرف كم تعبت من الغياب. الطيور فوق الشرفات لا تزقزق، بل تُنشدك، والغروب لا يهبط، بل يعتذر إليك، لأن الليل في هذه المدينة ليس عتمة، بل احتفال داخليّ بالأرواح التي أضاءت ثم ذهبت، وتركت في الضوء خيطًا من أثر، خيطًا من حنين. والمحيط لا يُحدّ، لا يُسمّى، بل يتنفس حولك ككائن أسطوريّ يعزف موسيقى لا تُسمع، بل تُسكب في العظم، صوته لا يُدوّي، بل يسري كحنين قديم نسيته في رحم الموج ثم عاد إليك، هنا، حين نسيت من أنت وتذكّرك البحر، لم يكن هديرًا، بل نداءً خفيًّا يشقك إلى نصفين، نصف يذوب في الماء، ونصف يتيه في الضوء. وفي اللحظة التي يغسل فيها جسدك أول موجة، تتيقّن أن سان خون لم تكن مكانًا، بل مرآة لأكثر نسختك حياة، النسخة التي كنت تخفيها عن العالم لأنك ظننت أن لا أحد يمكن أن يراها دون أن يحترق. وها أنت تُرى، بكلك، بلا أقنعة، بلا فواصل، بلا جغرافيا، وكل شيء فيك يعود إلى أصله، النخيل إلى خصره، الموج إلى ذاكرته، والشمس إلى بسمتها. سان خون لا تمنحك نفسها، بل تُعيدك، تُعيدك إلى ما قبل التكوين، حين كنت نَفَسًا فقط، تسبح في حلم بلا اسم، بلا خوف، بلا ماض، بلا حدود. سان خون لا تُزار، بل تُولد فيها من جديد، ثم تكتشف حين تنظر خلفك أنك لم تكن أنت من وصل إليها، بل كانت هي التي مشت إليك عبر المحيط، عبر الحلم، عبر الغياب، لتستردّك من العالم وتكتبك من جديد ككلمة نزلت من الضوء.
~فراس الوائلي
Comments