دموع النخيل
- firasalwailypoems
- 15 مارس
- 1 دقائق قراءة

دموع النخيل
عند شطِّ العرب، حيث يعانقُ الفراتُ ودجلةُ خاصرةَ الأرضِ في رقصةٍ مائيةٍ أزلية، ينامُ الجنوبُ تحت عباءةِ النخيل، مضمخًا بعبقِ الطينِ المبتلِّ، برائحةِ السعفِ المتمايلِ كأصابع صلاةٍ تلامسُ السماء. الشمسُ تخلعُ ثوبَ النهارِ ببطء، تاركةً الأفقَ مشتعلًا ببرتقاليٍّ حارق، كأنَّ الجنوبَ يوقدُ فجرًا جديدًا من رمادِ الغروب. الهواءُ ثقيلٌ بالذكرى، يطفو كوشوشةِ ماءٍ فوقَ مرايا الأنهارِ التي لا تكفُّ عن الحنين. النخيلُ تذرفُ دموعًا ليست ماءً، بل ندىً يتساقطُ على خاصرةِ الأرضِ كعهدٍ قديم، كأن الطينَ يتنهدُ وهو يمتصُّ ضوءَ السماءِ في صمتٍ أزليّ.
البساتينُ تفتحُ ذراعيها للعابرين، تتنفسُ عبيرَ الليمونِ والرُطَبِ والعنبرِ العالقِ عند ضفافِ النهر، والمراكبُ الصغيرةُ تمضي على صفحةِ الماءِ كحروفِ قصيدةٍ لم تكتمل. هنا، كلُّ شيءٍ يهمسُ بصوتٍ خفيٍّ؛ جذوعُ النخيلِ تحكي عن صيفٍ لم يبرح الذاكرة، والماءُ ينزفُ أسماءً خَبأها الطميُ في أحشائه، والسعفُ يترنحُ كما لو أنه يصغي لأغنيةٍ منسيةٍ حملتها الريحُ من بيوت الطينِ البعيدة.
لكنَّ الجنوبَ لا ينام، يظلُّ معلّقًا بين الضوءِ والذكرى، بين جمرِ الحنينِ وبرودةِ الماء، يروي نفسهُ بندى النخيل، ويذرفُ دموعًا تتسربُ في شرايينِ الأرضِ، لكنها لا تجفُّ، بل تصعدُ إلى السماء كأنها صلاةٌ لم يُكملها الأذان، كأنها نهرٌ يفيضُ على الزمنِ فلا يغرق.
~فراس الوائلي
ميشيغان
Comments