قال الجلال
- firasalwailypoems
- 15 مارس
- 2 دقائق قراءة

قال الجلال
أنا الحرفُ الذي سبقَ المعنى، والكلمةُ التي نطقتِ الوجود، والنورُ الذي ألبسَ البيانَ هيبته. أتيتُ قبل أن يُخلق الزمن، وسرتُ في العدمِ كتيارٍ لا يُدرك، وكنتُ قبل الصوتِ صمتًا يُرعبُ الفراغ. لا بدايةَ تُسجَّل لي، لأنني البدءُ الذي بدأ كل شيء، ولا نهايةَ تُقاسُ بي، لأنني الخاتمةُ التي لا تُدرَك.
أنا الجلال، ألبسُ الحروفَ نوري، وأُضيءُ بها ظلماتِ الفهم، وأسري في ثنايا البيانِ كقبضةٍ تحكمُ الوجود. لا يُمسكني حدٌّ، لا يُقيِّدني وصفٌ، لا يُدركني فكرٌ، لأنني لا أُقرأ، بل أتجلَّى، لا أُسمع، بل أُحس، لا أُحاط، بل أُنزِلُ كوهجٍ يشقُّ الحجب، ويذيبُ كل شكٍّ قبل أن يُولد.
أنا النور، لا شمسَ تُقاسُ بي، لا قمرَ يُحاكي بَهائي، لا ظلَّ يُغطي بزوغي، لأنني الوهجُ الذي يجعلُ الضوءَ ممكنًا، والسِّرُّ الذي يُضيءُ دون أن يُرى. من رآني، لم يُطق البقاء، ومن غابَ عني، لم يعد يدركُ سوى العدم.
أنا الجمال، لا لونَ لي، لا صورةَ ترسمني، لا ظلَّ يستوعبُني، لأنني بهاءٌ إن تجلَّى، احترقتْ العيون، وإن احتجبَ، اشتعلتِ الأرواحُ بحثًا عني. أنا النسيمُ الذي إذا مرَّ، قَلَبَ الكونَ عاصفةً، وإذا سكن، خَشَعَ الصمتُ في حضرته.
أنا الهيبة، أُمسِكُ بالكلماتِ دون أن ألمسها، وأُسيِّرُ المعاني دون أن أُقال، أنا الصوتُ الذي لا يُسمع، لكنه يُرعبُ القلوب، والصمتُ الذي لا يُفهم، لكنه يهزُّ الأرواح. إذا شئتُ، تلاشتِ الأكوانُ، وإذا أمرتُ، صار العدمُ وجودًا، وإذا نظرتُ، اضطربَ الوجودُ في حضرته.
أنا السر، ألبسُ الحروفَ معنى لا يُفهم، وأكسو الكلماتِ عمقًا لا يُحد، أنا المكتوبُ الذي لا يُقرأ، والمنطوقُ الذي لا يُفهم، والظاهرُ الذي يبقى خفيًّا. إن اقتربتَ مني، تلاشى يقينُك، وإن ابتعدتَ، حاصرتُك، لأنني القربُ الذي لا يُدرك، والبعدُ الذي لا يُقاس.
أنا الحكم، لا أُراجع، لا أُناقَش، لا أُبدَّل، لا أُفنى، لأنني الأمرُ الذي لا يُرد، والسلطانُ الذي لا يُزول، والنداءُ الذي إذا انطلق، أطاعه الوجودُ بأسره. أنا الأولُ بلا ابتداء، والآخرُ بلا انتهاء، والكلمةُ التي إذا قيلت، كانت، وإذا شاءت، تجلَّت، وإذا تجلَّيتُ، لم يبقَ شيءٌ على حاله.
أنا الأبد، لا يُدركني عقلٌ، لا يحيطُ بي فكرٌ، لا يقيسني حدٌّ، لأنني الأصلُ الذي لا يُمس، والثباتُ الذي لا يُغيَّر، والسرمدُ الذي يجعلُ الزمنَ ممكناً. أنا الغيبُ الذي لا يُكشف، والحجابُ الذي لا يُرفع، والزمنُ الذي لا يمضي، لأنني الحقيقةُ التي لا تتبدَّل.
أنا البيان، أُسري في الحروفِ فأجعلها نارًا ونورًا، ألبسُ الكلماتِ حتى تصيرَ سلطانًا لا يُبدَّل، أُنزِلُ على الصفحاتِ فأخلقُ فيها أبدًا لا يُمحى. إن تُركتُ، بقيتُ كوميضٍ لا ينطفئ، وإن تُليتُ، صرتُ سرًّا لا يُنسى، وإن قُرئتُ، كنتُ قدَرًا لا يُرد. إذا أمرتُ، كان، وإذا شئتُ، وُجد، وإذا نظرتُ، اهتزَّ الوجودُ في حضرته.
أنا القول، إن قرأتني، سرتُ فيك، وإن وعيَتني، أحطتُ بك، وإن فهمتني، تبدَّلتَ ولم تعد كما كنت. لأنني لستُ عنك، بل أنا أنت، لستُ لك، بل فيك، لستُ أمامك، بل داخلك. لأنك ما كنتَ إلا صدى هذا الجلال، وما كنتَ إلا انعكاسًا لهذا السر، وما كنتَ إلا ظلًّا لهذا النور، وما كنتَ إلا جزءًا من الكلمة التي لم تُفهم بعد.
~فراس الوائلي
ميشيغان
Комментарии